Sunday, April 23, 2006

الفن

يرى يونج أن الفن ليس تعبيرا فرديا، بل هو تعبير جمعي، وبالتحديد هو تعبير عن المخزون اللاشعوري للذات الجماعية، حيث يرى أن الفنان في إبداعه لا يعبر عن ذاته بل عن اللاشعور الجمعي، أي أن دلالة النتاج الفني ينبغي أن تلتمس في رغبات الجماعة ولاشعورها لا في رغبات الذات الفردية كما فعل سيجموند فرويد.
ويضيف إن العمل الفني يشبه الحلم، ومن ثم فرغم ما قد يبدو في هذا العمل من وضوح وبساطة فهو تماما كالحلم حتى عندما يكون واضحا فإن لغته إشارية رمزية، ولذا يجب الاحتراس من كل محاولة لتبسيط العمل الفني وإنجاز فهم تعليلي له.هذا باختصار هو التصور الذي بلوره يونج عن الفن.
وبتأمله يحق لنا منذ البدء أن نسجل انتقادنا التالي: إننا نلاحظ هنا نفس النمطية المعرفية التي تحكم أصحاب الأنساق القائمة منهجيا على رؤية أحادية، فكل ما نقرأه ليونج من أبحاث ودراسات نجدها ترتكز على نفس المقولة الجاهزة وهي اللاشعور الجمعي مهما كان اختلاف الظواهر والمعطيات التي تقاربها.
ثم إنه بتحديده هذا لدلالة الفن ومصدره، ينزلق بالضبط فيما يعيبه على غيره، ألا وهو مقاربة العمل الفني بمنطق التعليل، حيث يفسر ظهور الفن بإرجاعه إلى ما يزعم أنه مصدر له (اللاشعور الجمعي). وهو بذلك يتساوى في تقديري مع فرويد، لأن كلا منهما يعلل ظهور الفن، مع فارق واحد فقط يكمن في نوعية المصدر، فإذا كان فرويد يرى العمل الفني تعبيرا عن لاوعي فردي، فإن يونج يراه تعبيرا عن لاوعي جماعي. كما أن كلا منهما يرى الفعل الفني فعلا لاإراديا، فإذا كان فرويد يرى العمل الفني تعبيرا لاإراديا عن المكبوت اللاشعوري، فإن يونج أيضا يراه تعبيرا لاإراديا، لكن بدل إرجاعه إلى مصدر فردي شخصي يرجعه إلى الخبرة الجماعية الكامنة في اللاشعور.
فالفنان عند يونج لا يعدو كونه أداة يستخدمها اللاوعي الجمعي، الذي يتحكم في مختلف سلوكيات الإنسان وممارساته، ومن ضمنها الممارسة الفنية. والامتياز الوحيد الذي يتفاضل به الفنان عن غيره من آحاد الناس هو قدرته على الإنصات لهذا اللاشعور والتعبير عنه.ولا تقف نظرية يونج عند هذا المستوى في مقاربة العمل الفني، بل تتخطى التعليل، إلى وضع رؤية معيارية لتقويم الأعمال الفنية، وهنا أيضا يكمن مأزق النظرية النسقية الأحادية الجاهزة، حيث يُقوم يونج الأعمال الفنية بناء أيضا على نظرية اللاوعي الجمعي لا بناء على ما يمتاز به الفن من جمالية... فانطلاقا من هذه النظرية ينتهي يونج إلى صياغة موقف معياري، يحدد قيمة العمل الفني بحسب قدرة هذا العمل على التعبير عن اللاشعور الجمعي وإشباع احتياجات الجماعة والاستجابة إلى مطالبها، فإذا كان العمل الفني يسمق ويعلو عند البعض بحسب قدرته على التعبير عن اختلاجات النفس الفردية، فإن قيمته عند يونج ترتهن بمدى اقتداره على التعبير عن الذات الجماعية


مترجم بتصرف