Sunday, April 09, 2006

مسألة الاخر

الديمقراطية... تأسيس ثان

الإصلاح في مصر لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، فالأرضية الثقافية والنفسية والمادية غير ممهدة بعد، والناس بما يختزنون من تراث فكري
عقائدي مسيطر، وأساليب تعامل وتفكير، غير مهيأين، وغير قادرين على التفاعل والتعامل مع المعطيات والمفاهيم الجديدة، الغريبة عن عقليتهم وأسلوب حياتهم، لأن هذه العقلية ما زالت تبني ركائزها، وتستمد رؤيتها، من موتى العصور الوسطى، ومفاهيم وعادات وأخلاق التجمعات الرعوية، وما زالت حضارة القرن الواحد والعشرين في نظر الأكثرية الساحقة، بدعةً وضلالةً، وكل ضلالة في النار.الديمقراطية، بصفتها ثقافة ونظام حكم، لابد من التمهيد لها، وتعليمها أولاً، ليفهمها ويتفهمها الناس، لا كما يريدها أولئك مختزلة في صندوق اقتراع، فهي قبل كل هذا، قبول واحترام الآخر، ذكرا كان أم أنثى، دون أدنى تمييز، وتمكينه من الوصول إلى حقوقه وممارستها كاملة غير منقوصة، وهي لا تعني إخضاع الأقلية، وسيادة الأكثرية، واستئثارهم بالسلطة، وفرض قوانينهم، بل هي التزام الأكثرية بضمان وحماية حقوق الآخرين، (الثقافية والقومية والدينية والعرقية) وتمتعهم بها، ووفي مقدمتها حرية الرأي، وحق التعبير عنه، والدعاية له، ونشره.
إن تعليم الناس احترام الآخر وقبوله كما هو، والتعامل والتعاون معه، يشكل الخيار الأمثل، بل الوحيد، للقضاء على الحقد والتحارب القومي والطائفي والمذهبي، كما يشكل الخيار الأمثل لتعاوننا وتعاملنا مع العالم، وخروجنا فوق سطح الأرض، واستمرار بقائنا ووجودنا، وإلا فإننا سنهلك في حرب طويلة طاحنة مع العالم أجمع تحت شعار الجهاد، والتكليف الإلهي بالقتال لنشر الدين، وأسلمة الكفار والمشركين، وقبض الجزية ممن يمتنع.لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، فالأرضية الثقافية والنفسية والمادية غير ممهدة بعد، والناس بما يختزنون من تراث فكري عقائدي مسيطر، وأساليب تعامل وتفكير، غير مهيأين، وغير قادرين على التفاعل والتعامل مع المعطيات والمفاهيم الجديدة، الغريبة عن عقليتهم وأسلوب حياتهم، لأن هذه العقلية ما زالت تبني ركائزها، وتستمد رؤيتها، من موتى العصور الوسطى، ومفاهيم وعادات وأخلاق التجمعات الرعوية، وما زالت حضارة القرن الواحد والعشرين في نظر الأكثرية الساحقة، بدعةً وضلالةً، وكل ضلالة في النار.
هذا هو ما يفخر ويعتز به من ينصبون أنفسهم أوصياء وأولياء على الأمة، ويسمونه: (هوية وثوابت الأمة)، مكافحين بعناد للحفاظ على هذه (الهوية والثوابت)، مفاخرين بأنها تميزهم عن باقي الأمم.
إن الديمقراطية التي هي حكم الشعب، والتي يطالب بها هذه الأيام- عدا المخلصين الصادقين- أولئك الذين لا يؤمنون بها، وألد أعدائها، الذين خرفوا، وما زالوا على رأس أحزابهم ومشيخاتهم المتخلفة الهرمة، منذ تأسيسها، في محاولة منهم لذرَّ الرماد في العيون ليس أكثر، فهم لا يفتأون يعلنون ويؤكدون تمسكهم بشدةٍ بعقيدتهم السياسية وتراثهم الفكري، الذي يسمونه (الثوابت والهوية)، مما يعني أن هذه المطالبة ليست إلا نفاقا وتكتيكا سياسيا، يأملون من خلاله الانقضاض على السلطة والإطباق عليها, فالقيم والشيم الأعرابية والإسلاموية السياسية (الأصيلة)، تجعل الحاكمية لله، وتحتقر الديمقراطية، وتنظر إليها على أنها بدعة مستوردة من بلاد الكفر والكفار والعياذ بالله، الذين لا يجوز أبدا التشبه بهم وتقليدهم، بل هو حرام منكر، يثير غضب الله، ويودي بصاحبه إلى نار جهنم، فإذا كان تقديم الزهور للمرضى حرام في نظر هؤلاء، لأن الأعراب أنفوا منها ورفضوها، أو لأنهم لم يعتادوا عليها، بالرغم من وجود الأزهار الشوكية الجميلة في الصحراء القاحلة، فكيف يكون الأمر إذا ما تم استبدال حكم شيخ العشيرة، أو (حكم الله!)، بحكم الشعب؟ ناهيك عن أن التاريخ والشعر والذاكرة العربية يخلوان تماما من أي تجربة أو مفهوم أو فكر ديمقراطي، أو قريب من الديمقراطية. فالأمر والنهي لشيخ القبيلة، أو للفقيه الذي (اختاره الله!)، مما يعني أن استيعابها يحتاج وقتا, وإن فهم الأعراب لها، كما تمليه عليهم ثقافتهم ورغباتهم، لا يتعدى ظنهم أنها تمنحهم حرية وحق الاختيار، دون أي مراعاة للأنظمة والقوانين وحرية وحقوق الآخرين، مما قد يخلق فوضى كبيرة، ويفتح الباب واسعا أمام تلك الفئات التي تحتقر الجنس البشري، وتبني فكرها على القتل والذبح والتفجير والإرهاب، لتنقض على السلطة، وتعود بالبلاد قرونا أخرى للخلف.