Sunday, November 26, 2006

مصر تتخلف عن نفسها





بداوة القبيلة تلتهم حضارة المدينة

في الماضي السعيد كتب إسماعيل أدهم كتاب "لماذا أنا ملحد" .. لم يقتل أو يكفر، ولم تجتمع الناس للتظاهر بساحة الأزهر، ولم يقدم عضو برلمان سافل بطلب لمحاكمته. بل إقتصر الأمر علي نقاشه فيما قال وبحواره ومجادلته بالتي هي أحسن، وبالرد عليه من قبل أحمد زكي أبو شادي برسالة بعنوان: (لماذا أنا مؤمن؟) ، وبمقالة من محمد فريد وجدي بعنوان: لماذا هو ملحد؟ وانتهى الأمر عند هذا الحد.
كان هذا في الماضي السعيد عام 1936

قال فاروق حسني وزير الثقافة بالدولة المصرية أن الحجاب عودة إلي الوراء، وأن كل امرأة بشعرها الجميل تشبه زهرة، ويجب ألا يتم حجبها عن انظار الآخرين. واعرب الوزير عن اعتقاده بان "حجاب المرأة يكمن في داخلها وليس في خارجها ولابد ان تعود مصر جميلة كما كانت وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرون مصر في وقت من الاوقات قطعة من اوروبا".واكد ان ارتداء الحجاب في رأيه "ليست له علاقة بالتقوى والا فما تفسير مناظر الشباب والبنات على كورنيش" النيل بالقاهرة في اشارة الى الفتيات المحجبات اللاتي يشاهدن وهن يضعن ايديهن في ايدي الشباب في العاصمة المصرية.
لم تخرج كلمات فاروق حسني عن التعبير عن رأيه الشخصي، ولم يتعرض لأي حكم فقهي أو ديني يخص مسألة الحجاب. وقد أخطأ خطأ فادحا لأن مركزه السياسي يحتم عليه نوعا من التقية والإحتفاظ بآراءه الشخصية دون الإعلان عنها .. ولكنه مرض الغباء السياسي المنتشر بين وزراء مصر.

بداية ، هناك العديد من الأسباب الكافية لإقالة فاروق حسني عشرات المرات، بداية من هدم الكيان الثقافي المصري، وتبديد الآثار، والإتجار غير المشروع، وحريق مسرح بني سويف، إلي محاباة التيار التأسلمي.لكن تصريح يتيم يمس "الحجاب" كان كافيا لأن تهب جماهير الإعلام المأجور، ورعاع الإخوان المسلمين، وحرافيش مجلس الشعب، والكيان غير الدستوري المسمي بالكتلة النيابية للإخوان ـ جمعية الإخوان المسلمين جمعية محظور نشاطها ـ إلي جانب المغفلين والجهلة والسوقة وبهلوانات المد التأسلمي.

لم يجد أي من هؤلاء سبب آخر للتظاهر المكثف والتكاتف والإتحاد سوي الحجاب. لم ير هؤلاء تردي الخدمات الصحية والمشكلة الاقتصادية الطاحنة وموت العملية التعليمية وتخلف الخدمات الاساسية من مرافق وكهرباء ومواصلات وتقهقر البحث العلمي وغياب الثقافة الفاعلة ووفاة حقوق المواطنة وفساد القضاء وبطش الشرطة وعمليات التعذيب وتفشي الجهل والفقر والمرض.
كل هذا يهون في سبيل "الحجاب".
إذا سئل مواطن: ما الأهم لديك ، تصريح الوزير أم معاناتك اليومية للوصول إلي عملك وعدم وجود وسيلة مواصلات آدمية؟بماذا يجيب؟إذا أجاب أن تصريح الوزير أهم ، فهو مواطن مريض في مجتمع مريض لدولة مريضة تتداعي وتتحلل عضويا، ويستحق تماما ما يحدث له.

لذلك نري تصريحات بهلوان جماعة الإخوان المسلمين محمد حبيب: ان تصريحات وزير الثقافة فاروق حسني حول الحجاب تدعم ما سماه المشروع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط.
إن المناخ العام في مصر سمح بهذا وأكثر ..غياب المشروع التقدمي والديموقراطية مع تعفن مؤسسة الحكم وتجريف الدين وإخصاء العقل، أدي إلي خلق حالة شديدة من الفصام لدي فئات عديدة من الشعب المصري.

تحالف غير مشروع

القضية توضح مدي مداهنة السلطة ومؤسساتها للتيار الديني، وجعل موضوع تافه مثل الحجاب دوجما قومية ودينية، وهذا يعكس تمازج القوي المنتظر بين مؤسسات الدولة والتيار الديني ليس فقط في الثقافة بل أيضا في الاقتصاد والبحث العلمي والعلاقات الخارجية وماشابه. فهل نحن في إنتظار إئتلاف وطني ـ إخوان ثمنا لمخططات المؤسسة الحاكمة؟وهل سيرحل حفاة الأعراب الوهابيين وفقهاء البداوة وجواسيس الشيعة وأنصار حزب الله المشبوهيين ومشايخ السلطة وبهلوانات الإعلام وحفريات السياسة عن مصر بلد الإسلام الهادىء والمسيحية السمحة والطيبة الممزوجة بتاريخ ثري وحضاري ؟أتمني هذا وإن بدا الامل خافتا ضعيفا.

الحجاب .. كلمة أخيرة

كل من يصنع من الحجاب واجهة للإسلام، فهو شخص جاهل ، يدعو للجهالة، ولا يعلم إلا القشور. ومن إختزل الاسلام
في زي ما ..فقد صنع إسلامه الخاص، وليس علينا إلا نبذه
..
..
الإيمان إختيار..
والحجاب إختيار..
والحرية إختيار.