Wednesday, November 22, 2006

.... حرب المشايخ











.
.

تشكل المساجلات والردود جزءا كبيرا من نتاج الفكر الاسلامي الحديث، والتي تتفاوت في قيمتها المعرفية، ومدي
.أصالتها الفكرية
.
الفكر الاسلامي الحديث، في مضمونه الثقافي، وتعبيره الايديولوجي والحضاري، رد فعل معلن و مضمر علي حضور الفكر الغربي في الحياة المعاصرة، في شتي المجالات، كمحاولة لإضعاف وتفتيت والقضاء علي عموم الفكر الغربي بدلا من خلق حوار بناء وتفاعل أصيل. هذه النشأة الملتبسة للفكر الاسلامي الحديث جعلته محبوسا في خانة رد الفعل وليس متحررا ليأتي من الفعل ذاته.

فالفكر الاسلامي الحديث فكر أيديولوجي محض، فليس هناك حركة كشف علمي يستند عليها بوصفها خلفية منهجية، ولا رواق فلسفي يحكم بناء نسقه النظري، كما أنه من حيث الرافد يلي عصورا من الاتحطاط، مرت بها الثقافة العربية ـ الإسلامية، فلم يكن قادرا علي التفاعل الأصيل والحيوي بأصول هذه الثقافة حال إزدهارها، وهو ما أدي إلي ضعف قدرته علي الإبداع والفعل الايجابي.

وأوضح مثال علي ضعف ووهن الفكر الاسلامي الحديث، ما حدث من لغط وصراع وإتهامات متبادلة بين د.عبدالصبور شاهين و " أصدقائه" القدامي من المشايخ والأزهريين وحماة السلطة الدينية و "مشايخ السلطان" ، حول كتاب "أبي آدم".

د.عبدالصبور شاهين أستاذ متخصص في فقه اللغة العربية، وواحد ممن ساهموا في تحريك قضايا الحسبة الشهيرة ضد د.نصر حامد أبوزيد التي رفعها الشيخ يوسف البدري ، وأحد نجوم الإعلام الديني، ومستشار سابق لشركات توظيف الاموال الشهيرة، وخطيب جامع كبير، وضيف دائم علي شاشات التليفزيون المصري والعربي


في مقدمة الكتاب ، يؤكد الدكتور عبد الصبور شاهين لقارئ كتاب أبي آدم أن الهدف الذي يسعي إليه هو انتزاع العقل المسلم من براثن الإسرائيليات، وأن كل ما أراده من كتابه أن يكون صخرة يدق بها رأس الأفعي الإسرائيلية اللابدة في الثقافة الإسلامية القديمة.ولست هنا بصدد التعليق علي الكتاب أو محتوياته .. ولكن الغرض هو إيضاح مدي تردي العقل العربي في التعامل مع "البحث العلمي" ، وإطلاق سلاح التكفير في وجه أي مفكر يحاول الإجتهاد، وإن كان واحدا منهم في يوم من الأيام.

بين عبدالصبور شاهين ومحمود سعد

أرسل لي صديق منذ بضعة أسابيع ملف فيديو يحتوي علي برنامج يقدمه " شىء" اسمه محمود سعد. "هو شخص يتمتع بثقل دم شديد، وسخافة أزلية، ورذالة كونية، ووضاعة عالمية إقليمية محلية .. إلي جانب عدم قدرته علي التحدث بلغة عربية سليمة وعدم معرفته بمخارج الالفاظ فيجعل القاف كاف كمذيعات الربط ، هذا بالإضافة الي جهل مطبق يضعه بجدارة في مرتبة الجحش الزرايبي.

هذا المذيع أخذ يناقش د.عبدالصبور بتعال شديد وعدم إحترام لعلم الرجل ـ أنا هنا أتحدث عن عبدالصبور العالم وليس الشخص، فأنا لا أحترم الرجل كشخص ولكن أحترم علمه ـ وأخذ في الطعن في محتويات الكتاب ووجهة نظر كاتبه دون علم مسبق، وأوجز فأعجز عندما قال: فيه كمان نظرية بتقول إن الانسان أصله قرد

حرب المشايخ

واجه د.عبدالصبور شاهين معارضة شديدة من قبل أقرانه المشايخ مثل الشيخ العابس يوسف البدري والذي بدا وكأنه علي وشك تفجير مبني التليفزيون، وقد أخذ يكيل اللكمات للدكتور عبدالصبور بقاذع الكلم واتهمه صراحة بنفي ماهو معلوم من الدين بالضرورة، والسير علي هوي الكاتب "اليساري" ـ هذا هو تصنيف نيافته ـ د.محمد شحرور.ثم أخذ مذيع البرنامج يقرأ ردود بعض المشايخ علي د.عبدالصبور مثل رد الشيخ عبدالمعطي بيومي والشيخ المطعني ـ لم يأت ذكر الشيخ سامي الشعراوي نظرا لإنشغاله الشديد بمنع كتب أخري حيث يراجع الشيخ مايربو علي 500 كتاب يوميا .. أعانه الله علي كتاب مصر ـ

ثم جاء رد العلم علي أطروحة عبدالصبور علي يد ملك العلم الوضعي د.زغلول النجار، وهو يفند ويحلل ويتهم صديقه القديم بعدم الفهم والجهل العلمي. طبعا قيل في الزغلول ما قال شفيق جلال في العرقسوس ولن نزيد.

المؤسف في الموضوع هو أن نفس الاسماء هاجمت من قبل نصر أبوزيد، وكان رأس الحربة آنذاك هو د.عبدالصبور، وهو من أصر علي نعت د.نصر "بالمدعو نصر" في سياق حديثه....وهكذا خرج السجال العلمي من دوائر البحث وقاعات الدرس إلي ساحات المحاكم وصفحات الجرائد وقنوات التليفزيون فضائية ومحلية.

بين عبدالصبور .. شحرور

هناك شبه تطابق بين كتاب د.عبدالصبور الواقع في 192 صفحة من القطع المتوسط، وبين أطروحة د.محمد شحرور
حول نشأة آدم ونشأة الإنسان في كتابه الضخم - الكتاب والقرآن - وهو كتاب رائع يستحق القراءة
" كتاب د.شحرور نشر قبل عشر سنوات من صدور كتاب د.عبدالصبور."
.
وهو تطابق لا يمكن إغفاله ولا يكفي توارد الخواطر لتفسيره. وقد أكد د.عبدالصبور أنه لم يسمع بالدكتور شحرور من قبل!! وبغض النظر عن التطابق، الاطروحة لها وجاهتها ويمكن مناقشتها بهدوء علي كل الوجوه بعيدا عن تعبيرات فرانكنشتين للشيخ البدري أو تهديدات هيئات الأزهر.

خلاصة القول

لابد من تخلص الفكر الاسلامي الحديث من الأدلجة ، فهو مثل الاتجاهات الفكرية الاخري، التي لا يمكن أن نعزل زمن تشكل ماهيتها المعرفية ومناهجها النظرية، عن وضعية التأخر التاريخي. فنهوض أفكارها وتطورها وحداثتها لم تكن نتيجة معاناة وحرب داخلية، بل كانت إستلهاما من معطي ثقافي خارجي، هو ثقافة الآخر وفكره.