......... أن تكون هناك
ترتيل
"قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما عُلّمْتَ رشدا ، قال إنك لن تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا
مفتتح
شاهدت مرارا فيلم بيتر سيلرز "أن تكون هناك" ، وكلما رأيته يمشي علي الماء في المشهد الأخير، أتذكر المسيح والحلاج وفريدالدين العطار والسهروردي، والعبد الصالح .. وحكاية جدي القديمة.
محاولة أولي
حكي الجد الكبير فقال: كانت هناك سفينة تحمل بعض المسلمين الأوائل لغرض التجارة والبشارة. وحدث أن جاءت عاصفة قوية جعلتهم يحيدون عن مسار الترحال ، وألقت بمركبهم علي ساحل جزيرة صغيرة نائية غير معلومة. وجد الرجال هناك رجل صالح يصلي وقبلته مسقط الشمس، ولا يتبع عدد الركعات المعروف لكل صلاة. بعدما فرغ رجل الجزيرة من صلاته، سألهم عن حالهم وقدم لهم الطعام والعون والنصيحة حتي يعاودوا سفرهم. رق الرجال المسلمون لحاله وسألوه: من علمك الصلاة؟
فأجابهم: رجل مسلم عابر منذ زمن.
فقالوا له: صلاتك غير جائزة .. فلابد وأن تكون قبلتك مكة وعدد الركعات كذا وكذا لكل صلاة.
فشكرهم الرجل ووعد أن يتبع ماعلموه.
هم الرجال بالرحيل وركبوا سفينتهم الي قبلتهم. بعد مسيرة يوم ودورة شمسية واحدة، شاهدوا علي البعد رجل الجزيرة يمشي نحوهم علي "الماء" وهو يشير بكلتا يديه أن يتوقفوا. لم يصدق الرجال ما رأت أعينهم، وجاء إليهم الرجل وكلمهم واقفا وقدماه تكاد تلمس سطح البحر
وقال: أستميحكم عذرا، أنا رجل هرم وقد نسيت بعضا من علمكم ..
كم ركعة لابد أن أؤديها لصلاة العصر؟
نظر الرجال الي بعضهم وقال أحدهم: أيها الرجل الصالح، صل كما تشاء.
نشوء الحيرة
إن التحليل النفسي الفرويدي هو فن تفكيك رموز الحقيقة في كل القطاعات الغامضة للتجربة الانسانية كما يعيشها الانسان، أي كما 'يرويها' للآخرين أو لنفسه. وتبعه يونج بالقول بأن الإصرار الذي تعبِّر عنه الأحلام يشير إلى معنى غائيٍّ ما، وأن التحويل هو تبلور خاطئ للاوعي، وأن اللاوعي يميل ظاهريًّا نحو شخصية إنسانية (هي الطبيب في الحلم)، ولكنه في حقيقة الأمر يبحث عن الألوهة.
كما أعتبر يونج أن صورة الألوهة التي تمتلك وجودًا تاريخيًّا وانتشارًا عالميًّا عدَّلتْها النفسُ في عملها الطبيعي وأعادت تشكيلها. فالأمر يتعلَّق بنموذج بدئي أعادت طريقةُ تفكيرنا إحياءَه. إنها طريقة تفكيرنا القياسية analogical القديمة التي لا تزال حية في أحلامنا.
وسواء إتبعنا المنهج الفرويدي القائم علي "فك الشفرة" أو منهج النماذج البدئية ليونج ودلالة الرمز الاسطوري أو اللغة المنسية لإريك فروم .. يبقي الحلم في كينونته عبارة عن "أمنية" أو "فكرة قلقة" مغطاة بطبقات كثيفة من الضباب يجعلها صالحة للتأويل.
حلم إيرما
فرويد علي كنبة التحليل النفسي
عندما أراد فرويد تجربة مدرسته في تفسير الأحلام بدأ بنفسه وهو مايعرف في كلاسيكيات التحليل النفسي بحلم إيرما. ومن خلال تفسيره لم يتطرق فرويد إلي إرجاع أي جزء من حلمه إلي اللبيدو أو رغبة جنسية مكبوتة. مع أن أي محلل نفسي سوف يري وضوح اللغة الاولية واسقاطاتها الجنسية، ورغبته الشديدة في أن يكون ذو قدرة جنسية عالية وقلقه الشديد الناتج عن مثلث المرأة في حياته بين زوجته وشقيقتها وابنته آنا فرويد. هل كان فرويد يعاني حالة من حالات الإنكار؟ وهو صاحب العدمية والقول بإن الجنة والنار والدين والحياة الأخري ، هي عملية إنكار للموت.
لابد أن أذهب إلي فيينا .. وأسأله.
محاولة للكشف
سؤال أسأله لنفسي طوال الوقت: هل الإنسان كائن عصابي منذ الولادة؟
إن النفس الإنسانية تحتوي مناطق ومكوِّنات مظلمة. والقاسم المشترك هو اللا يقين ، إذ تتلاشى الشخصية وحدود الأنا في أغلب الحالات مابين خضوع لعناصر اللاوعي أو الإختباء مع وجود إرادة مصرة على السيطرة تتجاوز الثقة وتأكيد الذات.
رقائق فكرية
مابين حكاية الجد وحلم فرويد مساحة للتأويل وزمن للتداعي. هل دوافع الأنسان تقف علي عتبات اللاوعي غير مدركة مايتبعها، أم أن العقل الفاعل والإرادة الخاصة قادرة علي تجاوز العصاب والرؤية المحكومة بتهاويم اللاوعي. إن معرفتنا الحالية عن اللاوعي تبدي أنه ظاهرة طبيعية، وأنه حيادي مثل الطبيعة. إنه يحتوي كل مظاهر الطبيعة الإنسانية: النور والظل، الجمال والقبح، الخير والشر، العمق والسطحية. لذلك علينا أن نفتح آفاقا جديدة لفهم الرمزية الفردية والرمزية الجماعية ليس فقط من خلال النوازع الطفولية والصراع والقلق أو النماذج البدئية، بل من خلال طرح رؤية تكاملية للكون والانسان. ولا أدري لماذا أتذكر الآن أن البوذية كديانة تكاد أن تخلو ـ في أدبياتها ـ من أي تدخل سماوي آلهي .
الإيمان دوجما والخطيئة طريق للخلاص والصدفة ليست صدفة علي الإطلاق .. ولو خبر موسي ماخفي عنه ماكان العبد الصالح ليوجد. فنحن فرادي وواحد ومانعطيه لبعضنا البعض وما نمرره للآخرين هو زاد الحياة، وكل مرحلة تؤدي لآخري، وكل دورة تفضي لثانية وهكذا.
ربما ، يكون الإنسان سماويا نقيا طاهرا
ربما......
"يمكن قراءة المقال من النهاية إلي البداية .. قد يكون هذا أكثر منطقية ".