Saturday, July 15, 2006

عائق المنع و التحريم اللاهوتي ... العقل و الله





لن تراني ، حتى تراني أفعل .
العلم كله طريقٌ إلى العمل .
الجهل عمود الطمأنينة .
المحادثة لسان من ألسنة المعرفة .

النفري



مفتتح

إذا إفترضنا أن الإنسان مجرد سؤال، فهل يفتح هذا باب الأسئلة المسكوت عنها عمدا أو مصادفة ؟
في ظل البيئة الثقافية المتردية التي يعيش فيها الشعب المصري بطوائفه المتعددة، يصبح مجرد السؤال عن إمكانية فتح ملف لاهوت الدين الإسلامي ، ضرب من الجنون.
ولو إفترضنا جدلا، إمكانية تفنيد المقولات الأساسية في لاهوت الاسلام، سيرد علينا كثيرٌ من رجال الدين قائلين بأفضلية القرآن على العقل، وبأن الإسلام لا يحتاج إلى التطوير: فهو، كمنظومة أيقونية نهائية، غير قابل للبحث – أي لإعمال العقل – باعتباره صالحًا لكلِّ زمان ومكان، وبأن «الدين عند الله الإسلام» (آل عمران 19). فالإسلام كائن مكتفٍ بذاته، ويستطيع إيجاد الحلول للناس والمجتمعات والعقول، في حين أنه غنيٌّ عنها – وهذا لأن الإسلام، من وجهة نظرهم، «أيقونة» هائلة منجزة، ذات مصدر إلهي؛ وقد تكفَّل الله باستمرارية انتصاره وضمانه حتى النهاية: «إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر 9)، «لا غالب إلا الله»، «فإن حزب الله هم الغالبون» (المائدة 56).


القداسة والتقديس

إن الركيزة الأساسية في أي "مشروع" لتحليل النصوص الدينية هي نزع القداسة، وإقناع المسلمين بضرورة هذا وفائدته، والأخذ في الإعتبار السياق التاريخي للنص الديني.
وهو غالبا ما يقابل بعاصفة من التشنج الديني، وإلقاء تهم الزندقة والهرطقة، والتآمر علي الإسلام.

وتقديس النص يعود إلى تقديس "المصدر" الذي وَضَعَ النصَّ واعتباره مطلقًا في القيمة والقدرة. وبذلك يتحول النص، بدوره، إلى مطلق في القيمة والقدرة، ويتلازم تقديسُه مع تقديس المصدر–الإله. لكن تقديس النصِّ تاريخيًّا، من خلال تجربة الإنسان المعروفة، يكون متوجهًا نحو "شكل" النص باعتباره وحيًا فقط، ولا يتجاوزه إلى تقديس "مضمونه"؛ أي لا يتم الالتزام بمضمون النص المقدس

وفي ظلِّ السيطرة المطلقة لهذا «المقدَّس» على عقول المسلمين وضمائرهم، يتعذر طرحُ أية تساؤلات جوهرية. وبذا سيكتفي رجال الدين باجترار مقولات المتأخرين، وبالعمل على توسيع مساحة التقديس، لتشمل شخوصَهم وآراءهم؛ في حين أن نزع القداسة ضرورة مرحلية تُمليها ظروفُ البحث العلمي الجادِّ في أية ظاهرة. وعندما تكون هذه الظاهرة دينية، تغدو الحاجةُ إلى نزع القداسة أكثر إلحاحًا، لأن البحث العلمي إنما ينطلق من فرضيات تحتمل الشك بغرض الوصول إلى الحقيقة، أو الحقائق، بينما المقدس أساسه مسلَّمات لا يطالها الشك.


إشكالية التقديس والقداسة

إن الفكرة الأولى التي تعيق تطوير الفكر الاسلامي هي فكرة التقديس، بكلِّ ارتباطاتها ومستوياتها. وإذا بدأنا خدش الجدار الخارجي لدوجمائية التقديس، لابد وأن نبدأ برموز التأسلم المعاصر كإبن لادن وسيد قطب والشعراوي والخميني والسيستاني وابن باز والقرضاوي ومن علي شاكلتهم، حتي نصل إلي رموز الإسلام متمثلا في الصحابة وأئمة آل البيت ومؤسِّسي المذاهب السنِّية والخوارج والمعتزلة والمتصوفة.

لامناص من الخروج من حالة "التجرثم" والطبقات المتراكمة من التقديس للوصول لعالم أرحب لفهم الآخر وقبوله، وفهم أنفسنا وقبول التعدد والإختلاف.

إن التجرثم يبدأ بالتشكيك المطلق في عقائد الآخرين، من مسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس وعَلْمانيين. فهؤلاء كلهم خارج "الكبسولة" ومن ثم ، فجميعهم في النار، وكلهم كفار ـ راجع أحاديث الشيخ الشعراوي في تفسيره لسورة مريم وهو يكفر المسيحيين نهارا جهارا ، والمتأسلم العدواني عمر عبد الكافي وهو يمنع مصافحة أو إلقاء السلام علي جارك المسيحي ـ

إن كلَّ دين هو طريق للوصول إلى الله، وله، بالتالي، من المشروعية ما لكلِّ دين آخر. ما من دين يحتكر الحقيقة وآخر زاغ عنها؛ وما الاختلاف بين الأديان سوى أمر يقتضيه التباين الثقافي بين الجماعات والأمم والشعوب


دوجمائية السلطة الدينية والسياسية

إن المنهج الدوجماتي الديني والسياسي يصر على وجود خصم شيطاني يتربص بالمسلمين والمصريين، ليبرر استمرار حالة الطوارئ واستمرار التفويض المطلق ، ثم ليرمي عليه مسؤولية كل المشاكل والأخطاء والمصائب و الفشل ... الفشل الذي لم يعد تجاوزه يتطلب عملية نقد ذاتي ومراجعة ذاتية وتجديد داخلي ، بل الفشل المبرر سلفاً بالعدو الخارجي وبوجود المتآمرين معه ، مما يعني الحاجة لمزيد من التضحية والطاعة، وللوقوف في وجه الشيطان المعادي أي للمزيد من الديكتاتورية ، والقمع . وهذه أحد أهم سمات العقل السياسي والديني القمعي ، الذي يتمحور السلبي فيه حول (( الصهيونية العالمية التي هي النواة الخبيثة للصليبية التي تنظمها الماسونية حسب مبادئ بروتوكولات حكماء آل صهيون ، الذين أجمعوا على تدمير العروبة والإسلام ، منذ عبد الله بن سبأ الذي شق صفوف المسلمين ، وأثار الفتنة بينهم .. وصولاً إلى أو بوش الابن وشارون.

ولا يفكر الإنسان المصري ولا يخطر بباله ولو لحظة واحدة أن يتأكد من حقيقة وجود مثل تلك الأوهام ، بل ينطلق منها كبديهية مطلقة وأولية متناسبة ومنسجمة مع عقله الدوجمائي الذي يرى العالم بلونين أبيض واسود ، معنا وضدنا ، منظار مغرق في الذاتية والتعصب والانغلاق والبعد عن الآخرين وعن الحوار والتفاهم مع الآخر .

العلمانية والحرية

لابد من الخروج من حالة التقهقر الفكري الاصولي، وفتح آفاق المعرفة والعلم والعلمانية.
العلمانية لا تعني القضاء على الدين و إنما وضع حد للغزو الذي يقوم به الخطاب العقائدي للمجتمع.
العَلمانية، من حيث الجوهر، موقف فكري من مسألة المعرفة. فعلينا التعرف أولاً، ومن بعدُ الاستفاضة في المعرفة، فكيفية استيعاب المعرفة، وأخيرًا كيف نعلِّم ماذا نعرف دون التأثير على أيٍّ كان.
هذه هي العَلمانية، وهي ليست معركة ضد أي شيء بعينه.

العلمانية و الحرية مفهومان مرادفان، كما أن الإسلام بذاته ليس مغلقا في وجه العلمانية, و لقد شهدت المجتمعات الإسلامية تجارب علمانية عبر التاريخ. لقد عرفت القرون الأربعة الأولى للهجرة حركة ثقافية مهمة استطاعت الخروج على القيود التي فرضتها السلطة الدينية.
فالمعتزلة عالجوا مسائل فكرية أساسية انطلاقا من ثقافتهم المزدوجة المرتكزة على الوحي الإسلامي و الفكر اليوناني. كما أدخل المعتزلة بعدا ثقافيا و لغويا في طريقة طرحهم مسألة خلق القرآن و اعترفوا بمسؤولية العقل و دوره في فهم النص الموحى به و امتلاكه. إلا أن الأمر آنذاك حسم لصالح الخط الأشعري الممثل للخط الرسمي.
كذلك الشريعة، فهي ليست قانونا إلهيا مباشرا, و إنما هي ناتجة عن عملية بلورة تاريخية محضة قام بها بشر استنادا على القرآن و الحديث و السيرة النبوية في القرنين الأول و الثاني للهجرة.


خاتمة

الدين ليس هوية ( بمعنى الهوية الوطنية الحديثة ) وإذا صار هوية فإنه يكف عن كونه دين ، فهذا يعني تحوله من مضمون إلى شكل ، من قناعة وإيمان داخلي وضمير محاسب ، إلى انتماء وهوية وعصبية تورث وتنتقل بالوراثة ، وتولد مع كل إنسان بغض النظر عن تكوين أناه العليا المحاسبة , وعن نشاط ضميره الأخلاقي الذي يعطي للأشياء صفة الخير والشر ، وهذا يؤدي مباشرة إلى الطائفية السياسية والتزمت الديني والأصولية

تحول الدين الشائع اليوم بعد دمار الأسس المعرفية القائم عليها ، إلى دين شكلي شعائري مظهري بعيد كل البعد عن الإيمان والضمير والوازع الداخلي ، صار الدين مظهراً وهوية وانتماء وإعلان وأيديولوجية، وليس ضمير محاسب والتزام ذاتي .. الدين الشائع اليوم دين قديم شكلاً ، مركب على أخلاق وضمير وقيم رأسمالية شهوانية ، طاقية وذقن وحجاب ، واستثمارات وسيارات ، وليس التزام وتضحية وإيثار ، الدين لم يعد مشروعا لتسويد وتغليب الاجتماعي والعام على الفردي والخاص ، بل هو استثمار للعام في الرصيد الخاص ومن أجله ، واستغلال للتراث والذاكرة والثقافة التقليدية التي صارت ذات قيمة بذاتها بسبب العدوان الخارجي والدولة القهرية ، في سبيل تحقيق مكاسب وامتيازات ومصالح فردية خاصة مغرقة في الأنانية.


المراجع
------
الدين والعقلانية .. هابرماس
إغتبال العقل ... برهان غليون
الإسلام و الإرهاب
مشروع محمد أركون
تاريخ الجزيرة قبل الإسلام .. حسين مروة
من العقيدة إلي الثورة .. حسن حنفي
آليات الخطاب الديني .. نصر حامد أبوزيد