حادثة التحرش الجنسي .. وسلوك الجماعة
"الوصول إلى الأحكام الصحيحة في الأمور المثيرة للجدل يعتمد إلى حد كبير ..
على الاتجاه الذهني للفرد الذي يصغي إلى هذا الجدل أو يشارك فيه."
ماهي الدوافع التي تؤدي بمجموعة من الناس لأفعال شديدة العنف والهمجية ؟
ولماذا يتسم رد الفعل دائما بالضجيج الإعلامي علي المستوي الرسمي أو الشعبي أو حتي الفردي ؟
لماذا نستمر في إنكارالتأثير القوي والواضح لمفهوم "الجماعة" وماتعتنقه من أفكار أو أيديولوجيا تبرر الأعمال الوحشية أو المتطرفة ؟
قد يكون سبب التجاهل هو الشعور ببعض التعاطف تجاه بعض المعتقدات التي ترتبط بالثقافة ، الوضع الطبقي ، الديانة، أو الأصل العرقي الذي ننتمي له.. وهكذا نفضل تحليل الوضع بعد الحدث وآثاره، وهي مسافة الوعي الزمنية التي تضعنا خارج المعادلة القطبية.
وهكذا نضع "مجموعة ما" خارج نطاق الوطن ، الشعب ، الطبقة ، الديانة أو الأصل العرقي ... هؤلاء الأوغاد ليسوا جزءا من "نحن" النقية الصالحة علي الدوام.
الميل ، والسلوك ، والقيمة.
.................................
من المعروف أن جميع الظواهر النفسية والإجتماعية تخضع في أساسها لمحددات السلوك الانساني الذي يواجهه ويسيطر عليه تركيب خاص يسمي الميل أو الإتجاه النفسي. كما أن القيم تؤثر بشكل واضح وفعال علي هذا السلوك.
فما هو تعريف القيمة ؟
هي الديناميكية التي تدفع الفرد لسلوك معين في موقف معين .. أي أنها التنظيم الخاص للخبرة الناتجة عن تسلط بعض الافكار خلال قنوات الاتصال خاصة عند الفئات التي لاتملك خلفية ثقافية كافية للحماية.
حادثة التحرش الجنسي .. نموذج.
.........................................
ترتبط القيمة ارتباطاً وثيقاً بسلوك الفرد طالما هي التي تكمن وراءه ... وإذا إتخذنا حادثة التحرش الجنسي ببعض الفتيات بقلب القاهرة نموذج، ـ إن حدث هذا أساسا بالشكل الذي تمت روايته.. وهو ما أشك فيه ـ
نجد أن هذه "الجماعة" لم يصدر عنها هذا السلوك إلا بقوة التنظيم الخاص بخبرة هؤلاء ..
فماهي هذه الخبرة التي خلقت تلك القيمة ؟
الخبرة هي الكم الهائل من خطاب العنف الانتحاري القادم من الخطاب المتأسلم ونجومه المأفونة، والخطاب النخبوي المنفصل عن واقع هؤلاء، والخطاب الرسمي النافي لوجودهم أصلا .أما القيمة فهي "إزدراء النساء" .. "فتنة النساء" .. ووضع المرأة في المجتمع المصري ككم مهمل، وعبء ثقيل ، كنتيجة لتكريس جميع أدوات الخطاب الإنتحاري عبر قنوات سمعية وبصرية لخلق حالة من العدوان علي المرأة.
الخطاب الإنتحاري بأشكاله المختلفة ، وتكريس ثقافة العنف ، وخلق فكرة العدو وحالة العداء المستمرة .. مع عدم وجود نافذة أو طاقة للسعادات البسيطة .... كلها أسباب أدت إلي حادثة التحرش الجنسي.
لقد أدي تعميق القيمة التي تدعو إلي أن المرأة متاع الرجل ، بئر الفتنة ، منبع الغريزة ، وشيطان الرغبة .. في وعي تلك "الجماعة" إلي وضعها في موقف يتطلب تبرير أنماط من التفاعل والسلوك لتأكيدها وإثبات صحتها.
لقد أصبحت "جماعة الصعاليك" في حالة من التهيؤ والتأهب العقلي العصبي كافية للقيام بعمل "جمعي" لتأكيد هذه القيمة السالبة علي أرض الواقع وعلي مشهد من الجميع.
سلوك هذه "الجماعة" سلوك فاشي نتج عن ثقافة فاشية أنتجتها نخبة فاشية في مجتمع يخطو نحو الفاشية يحكمه مؤسسة حكم فاشية.
إن العمل الهمجي الذي قامت به هذه "الجماعة" هو مجرد محاولة للتأقلم مع البيئة التخيلية التي رسمتها كل قنوات الخطاب الانتحاري ودعوته المستمرة للعنف تجاه الآخر وتجاه أنفسهم.
من هم هذه الجماعة ؟
هم من أطلقت عليهم النخبوية الثقافية .. المهمشين
وأطلقت عليهم النخبوية المتأسلمة .. المفسدين
وأطلقت عليهم مؤسسة الحكم .. الرعاع
هم من يعانون من صراع حاد بين مظاهر التدين الظاهري في المجتمع والكبت النفسي والاحتقار الطبقي. ماحدث هو حالة من التفريغ النفسي لغضب مكبوت ، دون حل حقيقي.
أما الحلول التي تدعو إلي قتلهم وصلبهم ، هي في حقيقة الامر أفكار فاشية تؤسس لنفس الخطاب الانتحاري وتدعم ثقافة العنف بدلا من قراءة هادئة للحدث.
سؤال: هل هناك من يستطيع أن يحدد من هم هذه "الجماعة" ؟
من حيث السن والطبقة والوظيفة والوضع الاجتماعي ... ألخ.
لقد بح صوت د/أسامة القفاش في الحديث عن الخطاب الانتحاري وأصوله وعواقبه ...
فهل من مستمع ؟
ملحوظة: التحرش الجنسي بالمرأة جزء من السلوك العام منذ فترة طويلة .. قد يكون غمزا ، أو لفظيا ، أو تحوريا علي المستوي المرئي من خلال حركات أو إيماءات مختلفة. ما حدث هو مجرد تأكيد لعدوان موجود أساسا في ثنايا النسيج الاجتماعي.