... أن تكون سعيدا
إن كل ما حققته أو فشلت في تحقيقه ، ماهو إلا نتيجة مباشرة لأفكارك الخاصة بك."
- طبيب نفسي -
إن جنس الإنسان هو جنس مفكر وقائم علي عملية التفكير. كما أن عقولنا تعمل بشكل مستمر ، في محاولة لفهم ما نراه وما يمر علينا في كل لحظة من لحظات عمرنا الزمني علي هذه الأرض.
وبالرغم من وضوح هذه النقطة في حياتنا، تظل أكثرها إنغلاقا علي التفسير في مجمل التركيبة النفسية للإنسان. لكن يظل فهم طبيعه الفكر هو الأساس لنحيا حياة سليمة من حيث التوظيف وسعيدة في ذات الوقت من حيث الممارسة.
بداية، التفكير هو قدرة .. ووظيفة من وظائف الوعي الانساني. لا أحد يعرف بالضبط من أين يأتي الفكر ،بل يمكن القول ان الفكر يأتي من نفس المكان ، ربما يأتي من نفس النفحة التي تجعل قلوبنا تنبض وتذكرنا دائما أننا أحياء. وبما أن الفكر والتفكير وظيفة حياتية كما هو الحال مع سائر الوظائف البشريه ، لذلك فهو يتميز بإلاستمرارية سواء رضينا أم أبينا. وعلي ذلك يصبح التفكير عنصر مجرد من عناصر وجودنا .
كل شعور سلبي أوايجابي هو نتيجة مباشرة للتفكير. ومن المستحيل أن تشعر بالغيرة أو الغضب مثلا دون وجود "أفكار" تؤدي إلي الغيرة أو الغضب. أو أن تشعر بالحزن أوالإكتئاب دون وجود أفكار تبعث علي الحزن أو الإكتئاب.
قد يبدو هذا بديهيا ، ولكن إذا إستطعنا فهمه بطريقة أفضل وأعمق قد يكون هذا هو باب السعادة لنا وللعالم من حولنا.
في الأغلب الأعم، معظم المرضي الذين تعاملت معهم علي مدار ممارستي للطب النفسي تبدأ الجلسة معهم كالتالي:
المريض: أنا أشعر أنني شديد الإكتئاب اليوم.
طبيب نفسي: هل لاحظت وجود أفكار إكتئابية أو تدعو للإكتئاب مؤخرا ؟
المريض: لا يوجد لدي أي أفكار سلبية أو إكتئابية .. إنني أشعر فقط بالإكتئاب.
استغرق الامر بعض الوقت قبل ان أعي أن المشكلة هي قنوات الأتصال بيني وبين المريض.
لقد تعلمنا جميعا منذ الطفولة أن التفكير يستدعي الجلوس بمفردك مع بذل كثير من الجهد والوقت وكأننا نبحث عن حل لمعضلة رياضية. ووفقا لهذه الفكره فإن الشخص الذي قد يشعر بكثير من التوجس والقلق من سيطرة فكرة واحدة غاضبة لمدة نصف يوم، قد يشعر أيضا أنه من الطبيعي جدا أن يكون لديه عشرين فكرة لمدة ثلاثين ثانية في المرة الواحدة.
إن التفكير في شيء ما" يمكن ان يتم خلال بضعة ايام او خلال مرور ثانية .. ولكننا نميل إلي إستبعاد لحظية التفكير علي أنها ليست ذات قيمة، هذا إذا كنا نسلم بها على الاطلاق.... الامر ليس كذلك.
المشاعر هي نتيجة .. ورد فعل مباشر للإفكار ، بغض النظر عن الوقت الذي تم فيه حدوث الفكرة.
علي سبيل المثال لو أنك فكرت ولو بشكل عابر أن أخيك يستحوذ قدر من الإهتمام أكثر منك .. وأنك لا تحبه، هذه الفكرة وشعورك بالإستياء تجاه أخيك ليست مجرد مصادفة.
مثال آخر
الفكرة: رئيسي في العمل لا يقدرني ، أنا لم أنال التقدير الذي أستحقه.
الشعور: شعورك بالكره لعملك ووظيفتك.
هذا الشعور حدث بمجرد ورود الخاطرة أو الفكرة .. والفارق الزمني بينهما فارق لحظي من الصعب تحديده، لذا فنحن دائما مانخلط بين الشعور والافكار المسببة لها.
إن التأثير السلبي للأفكار دائما ما يأتي عندما ننسي أن التفكير وظيفة من وظائف الوعي، وقدرة نتملكها كبشر عاقل. نحن الذين ننتج أفكارنا وأطر تفكيرنا. الافكار ليست أشياء تحدث لنا، لكنها أشياء نفعلها ووننتجها في دائرة الوعي.
الافكار ليست خارجة عن الذات، فهي تأتي من دواخلنا.... ما نفكر فيه يحدد بدقة ما نراه بالرغم من أنه يبدو عكس ذلك.
تذكرون حادثة زيدان لاعب فرنسا في نهائي كأس العالم السابق. قد تمر أعوام كثيرة علي هذه الحادثة ، وبعد السنوات الكثيرة قد يركز زيدان علي هذه اللحظة وهذا الخطأ بالرغم من تاريخه الرياضي الحافل بالبطولات. وقد يسأله بعض أصدقائه: لماذا أنت مكتئب بعد مرور زمن طويل فيجيب بأنه قد قام بخطأ فادح .. وأي شعور نتوقعه منه غير الأسف والإكتئاب. هنا قد لايري زيدان أنه المنتج لأفكاره، وأن هذه الافكار هي سبب تعاسته.
حتي وإن وجهنا نظره لهذه النقطة فسوف يجيب بكل صدق: بالطبع لا .. سبب تعاستي هو أنني اخطأت وليس لأنني أفكر في هذا الخطأ بإستمرار.
نستطيع إحلال وإبدال مثال زيدان بمواقف مختلفة مثل: علاقة قديمة ، حب جديد ، أزمة مالية ، نقد لذواتنا، كلمات جارحة تلفظنا بها عن عمد ، حقيقة الامر بأن آبائنا لم يصلوا إلي حد الكمال الأنساني ، إختيار خاطىء لشريك الحياة ، أو المهنة.... إلخ.
كل هذه الأمثلة تتطابق في جزئية واحدة: أن الشعور المصاحب لها ناتج عن تفكيرنا وليست الظروف المحيطة بالحدث.
يجب علينا ألا ننسي أننا من لحظة لآخري نتحكم في طريقة تفكيرنا، وأننا من نقوم بعملية التفكير... وألا نقع في أحبولة أن الظروف المحيطة هي السبب فيما نشعر وتجربتنا في الحياة.