Tuesday, May 02, 2006

يا طالع الشجرة .. لغة الرمز والموروث الشعبي وثقافة الحلم

الرمز هو نوعاً من النشاط الإنسانى يمثل اتجاهاً يجد تجلياً له في فلسفة ارنست كاسيرير وتلميذته سوزان لانجر، حيث يركز الأول تعريفه للإنسان بوصفه حيواناً خالقاً للرموز عاداً النطق اصطلاحاً ناقصاً لا نستطيع من خلاله تفهم أشكال تعقد الحضارة الإنسانية قائلاً بأنه: "علينا تعريف الإنسان حيواناً رمزياً، ولا نستطيع عن طريق العقل إدراك العالم الأسطوري ... فبين الجهاز المستقبل وجهاز التأثير نجد عند الإنسان حلقة ثالثة نسميها الانعكاس الرمزى" من ثم يجوز القول بأنه وفقاً لـ كاسيرير يعيش الإنسان في البعد الرمزي متجاوزاً عالمه المادي وما الموروث الشعبي سوى جزء من عالم ذلك البعد الرمزي.

والإنسان يغرق نفسه في خيوط متشابكة من الرمزية يتجاوزها الرمز، رغم بنيته المادية الحسية، مشيراً الى معانٍ أخرى.أن عالم المعنى أكثر اتساعاً من عالم اللغة، أي، أنه توجد مجالات لا يمكن قياسها على أساس المنطق اللغوي مثل: الفنون والأساطير والأحلام، عادة اياها رموزاً حافلة بشتى المعانى. فالرمز له معنى خاص يستمد من تأمل الرمز والانفعال به.

هكذا نخلص للقول بأن معرفة الذات والقدرة على استبصار شتى مراحل الحياة ومظاهر العقل إنما ينطلقان من الخيال الفنى وأية ثقافة هى مجموعة أنظمة رمزية، يحتل فيها الصدارة كل من اللغة وقواعد القرابة والعلاقات الاقتصادية والفن والعلم والدين.أما ثقافة الحلم فهي ثقافة واعية بالخلفيات الجنسانية التي ركز عليها فرويد والخطاب التفسيري لإبن سيرين الذي يعتمد في تفسير الرؤيا علي النص الدينى كما أنها تبدو شديدة الوضوح في كتابات إريك فروم عن اللغة المنسية وخصوص العلاقة بين النص الابداعي ومحتوي الاحلام

يا طالع الشجرة ..تحليل النص

يندرج نص يا طالع الشجرة حصريا تحت مسمي النص الشعبي، النص المجنون، النص الرمزي... أما أنا فيحلو لي أن أطلق عليه إسم: نص الموروث الجمعي.. فاللغة العليا تكلم الوعي المباشر أما اللغة الرمزية فإنها تتسلل إلى العقل الباطن فتكون أبلغ في التأثير. ومنه نفهم معنى ما قاله علماء البلاغة أن المجاز أفضل من الحقيقة أحياناً، وأن الكناية أبلغ في الإفصاح، وأن الاستعارة أقرب من التصريح فما هو النص


يا طالع الشجرة
هات لي معاك بقرة
تحلب وتسقيني
بالمعلقة الصيني
المعلقة إنكسرت
يا مين يداويني

بنظرة سريعة نري أن النص محمل بالرموز والإشارات التي تنتمي بشكل خاص للمجتمعات الزراعية الشرق أ وسطية مثل:
الاسماء:
الشجرة، البقرة، المعلقة الصيني
الافعال: طلع، هت، حلب، سقي، كسر

ولا يخفي علي أحد التفسير الاشاري لهذه الرموز وتحويل المرئي (الشجرة ـ البقرة ) والمقروء إلي رموز تشير إلي تجارب روحية وهو مايعبر عنه المتصوفة بالتحويل وضده التمكين.

وبتتبع أصول الكلمات
Etymology ودلالاتها الرمزية نستطيع أن نري الأتي:
الشجرة هي رمز الخصوبة وفي نفس الوقت تحمل شكل العضو الذكري.
البقرة هي رمز الحياة / الأم / المقدس الانثوي / المنح / الولادة / الإله / القدرة
المعلقة وهو تعبير متأخر رمز واضح للإلتقاء الجنسي ـ لاحظ الشكل الخارجي للملعقةـ
الحليب رمز الطفل / سائل الحياة / الرضاعة / الثدي / الفم / الامومة / المني

أما الافعال فهي
الطلوع رمز الفعل الجنسي / السماء / المعراج
السقي رمز الارتواء / الأرض / العطش / القذف
الانكسار رمز الارتخاء / الموت النظري
المداواة رمز التجدد / إستعادة القدرة / الوصل

ومع الاخذ في الاعتبار المنادي ـ الطفل ـ والمنادي إليه ـ الأب ـ فإن إحالة الرموز إلي التفسير الاشاري تجعل النص نصا دينيا بحتا .
فالنص يشير إلي نداء الطفل ـ الانسان ـ للأب ـ الإله ـ بتوفير الحياة ووصل الارض بالسماء وترسيخ فكرة الخصب والنماء.. مع إظهار رغبة الطفل الجامحه في التفرد والتوحد أو ما أسميه عبودية المستقبل.

إذا يا طالع الشجرة ماهي إلا صلاة وتمرد.

أما الدلالات الصوتية للنص والافعال ثنائية الحرف وإرجاعها للغة المصرية القديمة فلنا ولها حديث آخر