هكذا تكلم .. الفيلسوف الضاحك
أن تعرف ولا تفعل .. فهذا معناه أنك لم تعرف بعد.
ـ الحكيم الصيني زن ـ
حينما يتكلم الفيلسوف الضاحك، فإنه يخاطبكم لأنه يهتم بإبن الإنسان، وبخلق الله، وبني آدم، والبشر جميعا.
لا يبحث الفيلسوف الضاحك في الكون اللانهائي، ولا عن العالم غير المحدود. إنه يبحث عن الإنسان العادي، رجل الشارع، العابرين بغير كلام ، والسائرين في إطراق ، والباحثين عن شىء ما في الغبار.
إن تفكير الإنسان يسوء عندما يبحث عن تفسير لما يريده ، وهكذا تكثر التناقضات في أقواله.
والفيلسوف الضاحك لا يفتأ يرهق إبن الإنسان، ويقول قوال: إنه يجد لذة في ذلك.
أما هو فلا يعرف شيئا. إنه يتعلم منكم ما يجهله، و يوضح للإنسان أنه لا يعرف ماذا يريد.
أنت تريد الخير دون أن تعرف ماهو ، ولهذا يضل التفكير ويسوء السلوك.
لكي تتعلم كيف تفكر جيدا ، لابد أن تعرف كيف تتفلسف جيدا. والتفلسف الجيد علي أية حال هو التفكير معا في ما يريد الجميع وما يجهله كل واحد.
يوجد خير عام، ولكن لا نستطيع الوصول إليه.
لكي تعرف ماتريد لابد وأن تسأل ذاتك. لا أحد يستطيع أن يقول ما يجب أن تفعله، ولا أحد يستطيع أن يفكر نيابة عنك. وحده الفيلسوف الضاحك، هو القادر علي توليد أفكارك الخاصة .. وهكذا يصبح المفسر لإرادة كل واحد منكم.
إنه هو الذي يقول لك ماذا تريد.
الفيلسوف الضاحك ليس هو المنعزل عن الآخرين ، ليس المنفرد بذاته، ليس المنعزل المتوحد. الفيلسوف يحتاج إلي الآخر، كلماته نداء وفكره تفاعل مع الإنسان في قوته وضعفه.
لذلك فالفلسفة، عندما لا تصبح إنسانية، ليست إلا مجرد لعبة ذهنية، وهكذا ضل السوفسطائيون وتاه فكرهم عندما فقدوا الاتصال الإنساني.
الفيلسوف الضاحك يفضل الإنسان في كل وقت، المتمتع بحسن الظن والإرادة الحسنة، والذي لا يحتاج لمعرفة الحقيقة إلا أن ينظر في ذاته بوضوح.
الفلسفة كما يراها فيلسوفنا الضاحك ليست تبحث عن تأويل للعالم، بقدر ما تنقب عن وسيلة لإنزال الفلسفة من برجها العاجي في السماء، إلي أرض الإنسان ومنبت الزهر، كي يجد فيها كل فرد أجوبة عما يطرحه من أسئلة.
وقد دفع سقراط حياته ثمنا لذلك عندما أراد للفرد العادي أن يفكر جيدا وهو مادفع الأثينيين لقتله بالسم تحت مسمي المصلحة العليا لكيان الدولة .. فما أشبه اليوم بالبارحة!
لذلك فالنوايا الحسنة لا تخلق أرض الفضيلة ولا يوتوبيا الإنسان. فالأمر يتطلب خلق مجتمع تسود العدالة الحقة ، ليصبح الخير حقيقة ملموسة كما تصورأفلاطون في جمهوريته.
ثم جاء العلم ليحلل أصول المجتمعات البشرية وينظر لمختلف التنظيمات الاجتماعية التي عرفها بني الإنسان عبر التاريخ.
عندما نظر الفيلسوف الضاحك للتاريخ، رأي أن فكر الإنسان قد سار عبر مضيق الأخلاق إلي جسر المدينة الفاضلة ليعبر إلي طريق العلم،
ولكن بقي شىء لم يحدث بعد: الجمع بين الثلاثة في أصالة مؤكدة و رصانة متفردة.
إن البحث عن العدل ضرورة ، والإتحاد لإقامة العدالة واجب ، والعلم هو المصباح الذي ينير الطريق، ويدلنا علي أفضل الطرق للوصول إلي المجتمع المثالي والدولة العادلة.
هكذا تكلم الفيلسوف الضاحك.